بين التحريض وغياب الميزانية.. الأمن في تعز يقف وحيداً
في مدينة تعز التي أنهكتها الحرب وكثرت فيها الهموم ، تقف المؤسسة الأمنية وحيدة وتواجه التحديات وحدها، كل يوم نسمع أصواتا تهاجم الأمن وتتهمه بالتقصير، لكن القليل فقط يعرف أن هؤلاء الرجال يعملون بلا ميزانية تشغيلية، بلا دعم حقيقي، ومع ذلك ما زالوا واقفين في الشوارع والطرقات يحاولون حماية الناس.
من يمر في شوارع المدينة يظن أن الأمور تسير طبيعيا، لكنه لا يرى ما وراء الصورة، سيارات قديمة بالكاد تمشي، جنود يشترون الوقود من جيوبهم في بعض الأحيان، وضباط يعملون منذ شهور بلا حوافز ولا مخصصات، ومع كل هذا يخرج البعض ليكتب منشورا أو يسجل مقطعا يتهمهم بالإهمال وكأنهم يعيشون في دولة مستقرة ومرتاحة.
يقول أحد ضباط الأمن في تعز وهو يبتسم رغم التعب في تصريح مصور: "نحن نعمل بلا ميزانية منذ سنوات، لا وقود كاف، ولا قطع غيار، ولا حتى مصاريف بسيطة لتسيير الدوريات، ومع ذلك نحاول قدر المستطاع، لأننا نعرف أن غياب الأمن يعني ضياع المدينة كلها".
هذا الكلام مؤلم لكنه حقيقي، ففي الوقت الذي ننتقد فيه الأداء الأمني ننسى أن هؤلاء يعملون في ظروف لا يتحملها أحد، ليس من العدل أن نطالبهم بالمثالية ونحن نعرف أنهم بلا إمكانيات، ولا من يساندهم بشكل جدي. نعم، هناك أخطاء ولا أحد ينكر أن بعض التصرفات تحتاج تصحيحًا، لكن التحريض ليس الحل، حين نُضعف المؤسسة الأمنية بالكلام، نحن في الحقيقة نُضعف أنفسنا، لأن أول من سيدفع الثمن هو المواطن البسيط الذي يريد فقط أن يعيش بأمان.
في كل حملة تحريض هناك من ينسى أن الأمن ليس جهة سياسية ولا طرف في الصراع، بل هو سياج المدينة وسقوطه يعني فتح الباب لكل من يريد العبث. التحريض على رجال الأمن اليوم هو بمثابة التحريض على استقرار تعز نفسها، وعلى ما تبقى فيها من أمل.
أحد الجنود قال لي ذات مرة وهو يقف في نقطة تفتيش وسط البرد: "لسنا مثاليين لكننا نحاول، والناس لا تعرف أننا نخرج للخدمة أحيانا بلا أكل، بلا راتب، وبملابس متهالكة، ومع هذا نصمد لأننا نعرف أن الناس بحاجة إلينا". كلماته أبسط من أي بيان، لكنها تختصر وجع مؤسسة تحاول أن تؤدي واجبها بما هو متاح، هي لا تطلب الثناء، فقط تطلب الإنصاف.
تعز اليوم تحتاج أن نكون جميعا في صف واحد، أن ننتقد بحكمة لا أن نُحرض، ندعم الأمن بدل أن نهدمه بالكلام، لأن الأمن ليس جهة غريبة، بل هو أبناؤنا، جيراننا، إخوتنا الذين اختاروا أن يحملوا المسؤولية بدل أن يهربوا منها. فمن غير المعقول أن نطالبهم بالمستحيل ونحن نعلم أن رواتبهم لا تكفي، وأن سياراتهم لا تصمد، وأنهم يعملون بلا ميزانية منذ سنوات.
في النهاية، الحقيقة واضحة رغم كل ما يقال ويُكتب ما زال رجال الأمن في تعز يؤدون واجبهم بصمت، يسهرون حين ننام، ويحاولون أن يمنعوا الفوضى من الوصول إلينا، وربما قبل أن ننتقدهم علينا أن نسأل أنفسنا: ماذا لو توقفوا هم أيضا عن العمل؟ من سيحمي هذه المدينة؟