خوارزمية البقاء: التضحية بالحقيقة لتوفير الطاقة
لماذا يخدعنا عقلنا؟ ما السر وراء سرعة اتخاذ القرار؟ هل أنت منطقي حقًا؟ نحن فخورون بأنفسنا كبشر، ونعتقد أننا نتخذ قراراتنا بناءً على تحليل دقيق ومنطق سليم. لكن، خلف الكواليس في عقولنا هناك شيء آخر يحدث. دماغنا ليس "آلة حاسبة" مثالية، بل هو مصمم ليكون سريعا أكثر من كونه دقيقا. هذه السرعة تأتي على شكل "حيل ذهنية" أو "اختصارات" نستخدمها دون أن ندري، وهي ما نسميه الانحيازات العقلية.
هذه "الاختصارات" ليست عيبًا في دماغنا، بل هي ميزة توفير للطاقة العقلية.تخيل أنك مضطر لتحليل كل معلومة تسمعها أو كل خيار تراه بشكل كامل. سيستغرق الأمر وقتًا طويلا ومجهودًا هائلًا!
في الماضي، كان اتخاذ قرار سريع (حتى لو كان خاطئا بنسبة قليلة) يعني الفرق بين البقاء أو الهلاك. لذلك طور دماغنا هذه الطرق السريعة لتوفير الجهد، وهذا التوفير في الطاقة يظهر في سلوكياتنا اليومية:
• تحيز التأكيد: نحن نميل إلى البحث عن الأخبار والمعلومات التي تؤكد ما نؤمن به بالفعل. لماذا؟ لأن قراءة شيء يتفق مع رأيك أسهل وأقل إجهادا من قراءة شيء يجبرك على تغيير رأيك بالكامل. وبالتالي دماغك يختار الطريق الأسهل.
• التثبيت (مرساة القرار): عندما ترى سعرا معينًا أول مرة (سعر إطلاق منتج على سبيل المثال)، فإن هذا السعر يصبح "المرساة" التي نقيس عليها كل الأسعار اللاحقة. العقل "يثبت" عند المعلومة الأولى ويتوقف عن بذل جهد كبير للبحث والتحليل، مكتفيًا بالتقييم السريع مقارنة بالمرساة.
قال أحد الباحثين: "دماغنا يفضل الهدوء على الحقيقة."هذا يوضح فكرة أننا نختار ما يريحنا عقليا. لكن كيف نتحكم في الاختصارات؟
الذكاء الحقيقي لا يكمن في محاولة إلغاء هذه الانحيازات (فهي جزء من تركيبتنا)، بل في الوعي بها. عندما تعرف متى يستخدم دماغك الاختصار يمكنك أن تطلب منه التوقف والتفكير بشكل أعمق. إليك خطوات عملية:
• اكتشف العكس: قبل أن تتخذ قرارا أو تتبنى رأيا، ابحث بنشاط عن ثلاثة مصادر أو آراء تتعارض مع ما تميل إليه. هذا يجبر دماغك على بذل الجهد اللازم للتحليل الكامل.
• استخدم قائمة مراجعة: عند اتخاذ قرارات مهمة في العمل أو المال، لا تعتمد فقط على شعورك الأولي، استخدم قائمة أسئلة واضحة ومحددة لتقييم الخيارات بعيدا عن المشاعر والحدس.
في النهاية، الانحيازات هي دليل على كفاءة دماغنا في الحفاظ على طاقتنا. لكن في عالمنا المعقد اليوم أصبحنا بحاجة إلى التفكير البطيء والعميق في كثير من الأحيان. الوعي بهذه الحيل الذهنية هو مفتاحنا لاتخاذ قرارات أفضل، والتحكم في عقلنا بدلا من أن يتحكم هو فينا .